الفخ اليمني.. لإيران أم السعودية؟

جهينة نيوز- بقلم سامي كليب:

مدونة تصورات : 16_04_2015



ترجَّل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من طائرته في السعودية مبتسما، وازداد ابتساما وهو يصافح وزير الدفاع السعودي الأمير محمد ابن الملك سلمان. لم يناقض ابتسامته، سوى تجهُّم وجه عبد الملك الحوثي زعيم أنصار الله وهو يلقي خطابه الليلة الماضية.
الأكيد أن لا ابتسامة الأول ولا تجهم الثاني بعد ليلة القصف السعودي بغطاء عربي باكستاني تركي وأميركي، تقرران مقبل الأيام، خرجت اللعبة من أيدي اليمنيين، وباتت مفتوحة الآن على احتمالات إقليمية ودولية أكبر من اليمن وشعبه الفقير.
السؤال الأول: هل حسب عبد الملك الحوثي ضربته جيدا قبل التوجه إلى عدن التي حدد الخليجيون خطوطها الحمر عبر نقل سفاراتهم إليها؟ إذا كان قد حسبها جيدا، فهو كان يدرك أن الملك سلمان الذي أشرف طويلا في السابق كما ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف على الملف اليمني، سيكون أكثر حزما من سلفه الملك عبدالله. ولو حسبها جيدا كان يدرك أيضا أن السعودية نسجت في الشهرين الماضيين خيوط جبهة جديدة تشمل مصر وتركيا وباكستان ومعظم دول الخليج (قد نستثني سلطنة عمان). فهل حسبها جيدا عبد الملك الحوثي، وأراد بالتالي توريط المملكة بحرب مباشرة في اليمن لاستنزافها لاحقا كما حاولت هي استنزاف إيران في سورية والعراق وغيرهما؟ أم إنه لم يحسبها، فدفع إيران إلى موقف مُحرج تماما لأن تدخلها المباشر قد يؤدي إلى حرب أوسع بخلفية "سنية شيعية" وعدم التدخل أصعب لأنه سيضع كل محورها أمام لحظة ضعف.

السؤال الثاني: هل توقع عبد الملك الحوثي ردا عسكريا بهذا المستوى؟ إذا كان حسبها، فمن المفترض أنه أعد ردودا عسكرية قد تظهر تباعا داخل الأراضي السعودية، أما إن لم يكن قد حسبها، فهذا يطرح أكثر من علامة استفهام حول قدرة الحوثيين على الاستمرار في إدارة المعركة خصوصا أن إيران تعرف الموانع الكثيرة لتدخلها المباشر في اليمن.

السؤال الثالث: حين يطلب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من إيران الانسحاب من اليمن، ويعرب عن الاستعداد لتقديم الدعم اللوجستي لـ"عاصفة حزم" (اسم حزم بالمناسبة يعود إلى جملة قالها مؤسس الملكة الملك عبد العزيز آل سعود: الحزم أبو اللزم أبو الظفرات..)، وحين يلتقي كلام اردوغان مع استعداد مصري للمساعدة، ومع عزم باكستاني على العون، هل يعني أن جبهة الدول "السنية" اكتملت لمحاولة وقف الدور الإيراني قبل الوصول إلى باب المندب. فهذا المعبر المائي يكاد يوازي ولو بنسبة أقل مضيق هرمز للملاحة البحرية العالمية ونقل النفط تمر فيه أكثر من 21000 قطعة بحرية كل عام.
على الأرجح نعم، هذه الجبهة تريد وقف التقدم الإيراني، وتوجه رسالة إلى أميركا بضرورة عدم الاندفاع أكثر بالتحالف الاستراتيجي مع الدول ذات الثقل الشيعي. لنلاحظ مثلا أن السعودية سبقت عملياتها ليس بتعزيز العلاقات مع دول الخليج ومصر وتركيا وباكستان فقط وإنما أجرت لقاءات مهمة أيضا في الجزائر ومع الرئيس السوداني عمر حسن البشير.

السؤال الرابع: هل أن التدخل العسكري السعودي، سيدفع إيران إلى الرد، وكيف؟
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اكتفى بالحديث عن ضرورة "الوقف السريع للعمليات العسكرية في اليمن والشروع بحوار لحل الأزمة". مؤكدا "أن العملية الحالية تزيد التشنج ولن يكون لها أي نفع لأي دولة تقوم بالمشاركة فيه، وقد تشجع داعش والإرهاب". أما المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم فرفعت اللهجة أكثر بقليل معتبرة أن ما حصل "خطوة خطرة" تتعارض مع القوانين الدولية. أما الأكثر هجومية فكان رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي الذي قال "إن دخان نيران الحرب في اليمن سيذر في عيون السعودية"، محملا أيضا أميركا مسؤولية ما يجري.
واليوم يرفع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اللهجة أكثر ويستخدم لغة أقسى، لكن الجميع سيؤكد على ضرورة العودة إلى الحل السياسي. لن يصل الكلام الإيراني مطلقا إلى حد تهديد السعودية أو إدخال المنطقة في مواجهة أوسع.

السؤال الخامس: هل أن التدخل العسكري السعودي بدعم أميركي، سيدفع إيران للانسحاب من التفاوض مع أميركا والغرب؟؟ الأكيد لا، فهذا ملف منفصل أولا عن كل شيء، ثم إن مصلحة إيران تماما كمصلحة أميركا تكمن بالاستمرار في التفاوض، وهي تعتقد أن هذا الاتفاق هو الذي يغضب جدا السعودية ودول الخليج لأنه يفتح المنطقة على احتمالات إستراتيجية كبيرة.

السؤال السادس: هل ستستمر المعركة السعودية في اليمن طويلا في محاولة لإنهاء الحوثيين، أم المقصود إضعافهم لإرغامهم لاحقا على القبول بحل سياسي بشروط أضعف؟؟ هذا سيكون مرهونا بالرد الحوثي وطبيعته. فقد كان واضحا من خلال الناطق العسكري السعودي اليوم أن العمليات مستمرة، كما كان لافتا أن الدول العربية حضرت مسودة تفعيل التعاون العسكري سيتم طرحها في القمة العربية في مصر قبل نهاية الأسبوع الحالي.

السؤال السابع: هل تنجح دول الخليج بتحييد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي أصدر حزبه الليلة الماضية بيانا يدعو "الإخوة الخليجيين" والحوثيين إلى وقف العمليات العسكرية.. هل هذا تراجع عن التحالف مع الحوثيين أم مناورة من مناورات الرئيس صالح التي أتقنها طويلا؟.
ما هو المنتظر؟؟

لا شك أن الحوثيين تلقوا ضربة موجعة، وهم الآن في وضع صعب لا يمكنهم القبول به ومن الأصعب تصور ما يمكنهم فعله. فهم أمام طيران وليس قوات برية، والشيء الوحيد الذي يمكنهم القيام به هو العبور صوب الأراضي السعودية. لعل هذا سيكون بالغ الصعوبة أمام الجبهة العسكرية التي تشكلت ضدهم. لكنهم سيردون بطريقة أو بأخرى.
أما إيران، فهي ليست من النوع الانفعالي، خصوصا أن دولا كبيرة كباكستان حذرت من أنها ستقف إلى جانب السعودية إذا ما تعرضت لأي تهديد. ستدرس الرد على مدى طويل، أو تحاول توظيف ما حصل لصالح محورها في الجبهات الأخرى المفتوحة.
الأكيد أن الحوثيين سيستمرون بالتحرك داخل اليمن وبوتيرة أكبر، وقد ترتفع حرارة المعارك، ولعلهم سيحاولون تحقيق مكاسب على الأرض بسرعة رغم وجود الطيران فوق رؤوسهم. لكن الأكيد أكثر أن إيران ستعمل على خطين، أولهما إعادة الاعتبار لمحورها على الأرض ليس بالضرورة في اليمن وحدها دون أن يكون في ذلك مواجهة مباشرة مع السعودية، وثانيها الاستمرار في المفاوضات مع أميركا. لنراقب مثلا الوضع في سورية أو العراق. ولنراقب أيضا مواقف إيرانية حيال البحرين قريبا.
لا شك أن كل قتيل يمني خسارة لهذا البلد العربي الطيب والعريق بحضارته الضاربة في جذور الإنسانية جمعاء، لكن قد تكون الايجابية الوحيدة لما حصل في اليمن، أنها أوصلت الأمور إلى درجة تخطي الخطوط الحمراء، ما يعني أننا أمام احتمالين، إما انفجار أوسع، وهذا لا يريده أي طرف، أو العودة إلى طاولة التفاوض الإقليمي بوساطة بعض الدول الراغبة بإطفاء الحرائق على غرار سلطنة عمان مثلا، خصوصا أن شروط التفاوض الخليجي بعد ما حصل في اليمن قد تكون تحسنت عن السابق، ولعل هذا هو المطلوب.
اللافت أيضا أن روسيا دخلت على الخط عبر دعوة للوقف الفوري للعملية العسكرية والقتال، واللافت أكثر أن دعوة الرئيس فلاديمير بوتين هذه جاءت بعد اتصال مع نظيره الإيراني حسن روحاني. في هذا دلالات كبيرة على أن اليمن صار هو الآخر جزءا من صراع محورين إقليميين ودوليين.
لكن هل يلتزم عبد الملك الحوثي ببرودة الأعصاب الإيرانية؟ ربما نعم، وربما لا... ففي اليمن، الثأر والسلاح زينة الرجال.. لعله لن يستطيع السكوت على الضربة، وفي هذه الحال فإن التطورات قد تفلت من الخطوط الحمراء. لكنها في كل الأحوال لن تفلت طويلا.. ليس لمصلحة أحد حربا طائفية مباشرة بين إيران والجبهة الأخرى.
أما المؤسف الوحيد في ما يحصل في اليمن وقبله في سورية وليبيا والعراق وغيرهم، أننا وصلنا إلى أسوأ مرحلة عربية في تاريخ هذه الأمة حيث المسلم يقتل المسلم، والمسلم يهجر المسيحي، وكل منهم يدعي أنه صاحب الحق، بينما لا شك أن إسرائيل تضحك، وأن كل هذه الأسلحة التي ظهرت في اليومين الماضيين كان ينبغي أن تكون صوبها وليس في اليمن الفقير العريق الطيب.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بوتفليقة يلقي خطاب الوداع يوم 24 فيفري القادم .

عائلة بوتفليقة وعقدة الشعور بالنقص

هل باع "هشام عبود" فيلم الصور الخاص بأبو نضال الى الموساد ؟؟؟ وما حقيقة تورط أو علم المخابرات الجزائرية بذلك ؟؟