تسييس المسألة العلوية في تركيا.. انحدارٌ للعلمانية


تسييس المسألة العلوية في تركيا.. انحدارٌ للعلمانية

السنة الحادية عشر ـ العدد132 ـ ( محرم ـ صفر 1434 هـ ) كانون أول ـ 2012 م)
بقلم: مأمون كيوان


ثمة أقليات دينية ومذهبية وعرقية وقومية في المجتمع التركي منها: العلويون واليهود واليونانيون والأرمن والسريان والكلدان والأكراد والعرب واللاز والشركس والكرج. وأقليات عرقية دينية كالألبان والروس والألمان والأستونيين. ومجموعات عرقية كالأوزبك والقرغيز والتتار والأيغور والأذريون وغيرهم.

وتُقرَن صفةُ "علوي" بتسمية بات يعتبرها معظم العلويين اليوم بمثابة شتيمة، وهي: "كيزيلباش"، أي: "الرؤوس الحمر". ويشير هذا النعت ـ دون أن يعني ذلك مَن يستخدمونه اليوم ـ إلى ثورات الشاه إسماعيل، وقد أدَّت هزيمة هذا الأخير في معركة تشالديران عام (1514) إلى تعرّض العلويين الذين اعتمروا العمامات الحمر ذات ألاثنتي عشرة لفة ـ تيمناً بالأئمة الإثني عشر ـ لأول مذبحة في تاريخهم على أيدي العثمانيين.

وهناك أصنافٌ متعددة لعلويي تركيا فمنهم الشيعي الاثنا عشري الصرف، ومنهم العلوي النصيري (الخصيبي)، ومنهم البكتاشيون. ويقترب بعضهم من شيعة إيران، ويمتد بعضهم الآخر ليتَّحد مع العلويين في سوريا؛ أما الأغلبية الباقية فهي التي يُطلَق عليها "علوية الأناضول".

ويتوزع العلويون في تركيا على ثلاثة أنواع: العرب والأكراد والأتراك. ويطلق على العلويين العرب اسم: "النصيريون". يتواجد معظمهم في لواء إسكندرون أو إقليم هاتاي - حسب التسمية التركية - فيما يتواجد آخرون في أضنة ومرسين، إضافة إلى اسطنبول وأنقرة. ولغتهم الأم العربية. ويقدر عدد العلويين الأكراد بنحو 4 ملايين نسمة يتواجدون في محافظات وسط وجنوب شرق الأناضول ولاسيما في بينغول و تونجيلي وسيواس وبوزغات وغيرها. ويتكلم العلويون الأكراد اللغة الكردية كما يتكلم قسم منهم الزازانية. أما العلويون الأتراك فيقدر عددهم بنحو 18 مليون نسمة.

ويشكل العلويون الأكراد 35% أو أكثر من مجموع العلويين، ويتواجدون في محافظات بنغول، تونجلي، ارزنجان، سيواس، يوزغات، ايلازيغ، ملاطيا، قهرمان ماش، قيصرى وتشوروم. كما توجد أعداد منهم في محافظات أدي يمان، عازي غتاب، هاتاي (اسكندرون)، قبر شهر، نيفشهر، سموون وطوقات. وتتكلم هذه المجموعة الكردية، وكذلك يتكلم قسم منهم الزازانية.

ويتواجد العلويون الأتراك في منطقة الأناضول الداخلي وفي غربه، مع تواجد قليل منهم على البحر الأسود. أما المحافظات التي يتواجدون فيها بكثافة فهي: سيواس، طوقات، يوزغات، نيفشهر، تشوروم، أماسيا، فهرمان ماراش وأورزخان. كما يوجد علويون تركمان في مناطق قارص، سيواس، يوزغلت، طوغات، اوردو، تشوروم، باليق أسير، مانيا، أزمير ومغلا.

ويؤمن العلويون بالأقانيم الثلاثة (الحق ـ محمد ـ علي) حيث يقولون بأن كلّ واحد منهم يمكن أن يحل في الأخر، لأن هذا الثلاثي المقدس كل لا يتجزأ، ويتجلى على شكل نور أزلي كان موجوداً قبل الخليقة وبعدها، وسيستمر إلى الأبد. وإن إيمان العلويين بعقيدة التثليث، إضافة إلى إسرافهم بشرب الخمر وتقديسهم لبعض شيوخهم وأوليائهم بما يشبه التقديس المسيحي للرهبان جعل بعض المستشرقين يعتبرونهم (مسيحيين منسيين)، ومنهم المؤرخ الانجليزي هاسلوك.

والعلويون هم فرقة غير فرقة البكتاشية على الرغم من الشبه الشديد، فالاثنان يجمع بينهما التشيع وتقديس الأئمة والأولياء، والتبعية للحاج بكتاش، والإقبال على شرب الخمر. ويفترقون في هيئات دور العبادة، فالعلويون لديهم ما يسمى "بيوت الجمع" والبكتاشون تسمى العبادة عندهم "تكايا" وهي تختلف في هيئاتها ودورها عن بيوت الجمع. ويختلف في مراتب المنتسبين إلى الطائفة، فعند الباكتاشية (عاشق، طالب، محب، درويش، بابا...) وفي حين لا يوجد عند العلويين هذا التقسيم. ومؤسس البكتاشية هو حاجي بكتاش المولود سنة 646هـ، في حين تنسب النصيرية أو الفرقة العلوية إلى أبي شعيب محمد بن نصير البصري النميري المتوفى سنة 270هـ. إلى غير ذلك من الفروقات.

سجل التمردات

ثار الشيخ بابا اسحاق، أحد مريدي بابا إلياس شيخ العلويين التركمان ومؤسس الطريقة البابائية الصوفية، ضد السلاجقة منذ عام 1208 وحتى 1210، واستطاع السلاجقة إخماد هذا التمرد. وثار العلويون البابائيون والعشائر الاورغوزية المساندة لهم ضد الدولة العثمانية الفتية، وكان ذلك سنة 1393م.

وفي القرن السادس عشر الميلادي وقف العلويون مع دولة الصفويين الشيعة في الصراع مع الدولة العثمانية، الأمر الذي دعا الخلفاء العثمانيين إلى معاقبة هؤلاء العلويين.

وفي العصر الحديث قابل العلويون إعلان كمال أتاتورك إلغاء الخلافة الإسلامية سنة 1924 بالارتياح، لأنها تمثِّل لهم رمزاً غير محبب، وبدأ التعاون مع أتاتورك بشكل جدّي، وقام أتاتورك بزيارة قبر بكتاش الزعيم الروحي للطائفة العلوية.

ومع أن أتاتورك ألغى سنة 1925 الطرق الصوفية والمجموعات الدينية وهو ما أثر سلباً على العلويين، إذ أصبح غير معترف بهم رسمياً، إلاّ أنهم ينظرون إلى أتاتورك على أنه المخلص، ولا عجب أن يرفع العلويون حتى الآن صور أتاتورك في مناسباتهم إلى جانب صورة ترمز للإمام علي، وصورة بكتاش.

وفي العقد الثالث من القرن العشرين، وصل الابتعاد العلوي الكردي عن الدولة التركية حدّاً طالب زعماؤهم فيه بتشكيل ولاية كردية مستقلة ضمن الدولة، ثم تطورت المطالبة، حين لم يذعن الأتراك لذلك إلى القول بضرورة إنشاء دولة كردية، كما جرى ذلك في تمرد سيد رضا سنة 1947.

ومنذ عام 1927، أطلق العلويون الأكراد "انتفاضات" عدة كان أهمها تمرد سنة 1947 جردت الدولة خلالها حملة عسكرية واسعة لإخمادها واعتقال قادتها.

وبدءاً من خمسينات القرن العشرين انخرطوا في صفوف الأحزاب السياسية القائمة، وكانوا يؤلفون دائماً ما بين 16 ـ 18% من عدد نواب البرلمان القائمة خلال 1950ـ 1980. ففي الفترة الواقعة ما بين 1950ـ 1957 دعموا الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندريس، إلاّ أنه بعد ظهور التوجهات ذات الطابع الديني لذلك الحزب، نظر العلويون ببرود إلى ذلك التطور واتجهوا إلى تأييد عصمت اينونو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، على الرغم من قتل المئات منهم في منطقة مرعش، أثناء تولي بولند أجاويد زعيم حزب الشعب الجمهوري في السبعينات رئاسة حكومة ائتلافية.

وجاء انقلاب سنة 1960 العسكري ليحبط آمالهم، إذ جرى اعتقال العديد من نشطائهم، فيما جرى نقل أعداد كبيرة منهم إلى ألمانيا وفق عقود عمل رسمية بين الدولتين التركية والألمانية. وساهمت هذه الأحداث في انخراط العلويين في صفوف المنظمات اليسارية والأحزاب الاشتراكية التي جرى تأسيسها في الستينات من القرن الماضي.

وعلى الرغم من أن العلويين حققوا مكاسب بانضمامهم إلى هذه الأحزاب، إلاّ أن سائر العلويين اتجهوا إلى تكتل سياسي في حزب شبه طائفي أسس عام 1966 باسم "حزب الوحدة" إلاّ أن هذا الحزب لم يحقق النجاح المطلوب، إذ حصل على 15 مقعداً فقط.

ومع انقلاب الجنرال كنعان ايفرين سنة 1980 وإلغائه الدستور والبرلمان والأحزاب، دخل العلويون مرحلة جديدة، حيث تم وضع دستور جديد سنة 1982 نص على تدريس مادة الدين في كافة المراحل الدراسية والتوسع في فتح مدارس الأئمة والخطباء دون الالتفات إلى مطالب العلويين أو السماح لهم بإنشاء "بيوت الجمع" على غرار المساجد السنية.

وفي انتخابات نوفمبر 2002 التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان فوزاً ساحقاً، طرح العلويون المطالب التالية على الأحزاب السياسية ـ عدا حزب العدالة ـ هي: تمثيلهم في الهيئة الإدارية لرئاسة الشؤون الدينية بحسب نسبتهم من عدد السكان. وتخصيص مبالغ معينة من ميزانية الدولة لمساعدة مؤسسة بيوت الجمع أسوة بمساعدتها لإنشاء المساجد. وإقرار الدستور قيام المدارس بتدريس نوعين من الدروس الدينية: درس الدين والأخلاق الإلزامي، ودرس الدين الاختياري، وطالبوا بإدخال مبادئ عقيدتهم إلى درس الدين الإجباري أسوة بالمذهب السني. وتخصيص وقت محدد ضمن البرامج الدينية المذاعة في هيئة الإذاعة التركية
TRT لنشر الأفكار العلوية.

وحاول العلويون في الانتخابات النيابية الأخيرة التعاون مع حزب العدالة، وقبول تكليفه أن يأخذ المثقف العلوي رحا شامور أوغلو مكانه على لائحة الحزب. لكن هذا القرار الذي كان سبباً في إشعال خلافات وانقسامات جديدة بين العلويين تبعه انقسام آخر حول المشاركة في مائدة الإفطار التي دعا إليها النائب شامور أوغلو في مطلع شهر محرم المنصرم، وهو شهر الصوم عند العلويين الأتراك، عندما قررت معظم الاتحادات والفاعليات العلوية مقاطعة هذه المناسبة بحجة أن حزب العدالة هو الذي يريد هذه الدعوة لأسباب وحسابات سياسية بحتة، كما قال قادتهم السياسيون والدينيون وقتها. هذا ويضم حزب العدالة والتنمية عدد قليل من العلويين في عداد نوابه في البرلمان.

ومن أهم مطالب وتطلعات العلويين الأتراك السياسية والاجتماعية: استرداد الأماكن التي تعتبر بمثابة رموز دينية من وزارة السياحة، وفي مقدمتها مزار حجي بكتاش، وتسليمها إلى جمعيات واتحادات علوية للإشراف عليها. وتوفير الكهرباء والمياه إلى دور عبادتهم بالمجان. وإلغاء قرار التعليم الديني الإلزامي في المدارس الحكومية. وإلغاء رئاسة الشؤون الدينية أو تعديل طريقة عملها وهيكليتها ليسنح لهم المشاركة فيها. وتحويل فندق "مادماك" الشهير في مدينة سيواس إلى متحف احتراماً للضحايا الذين قضوا فيه نتيجة هجمات يقولون إنها مذهبية نفذت ضدهم، و إبراز مذهبهم على الهوية الرسمية التي يحملونها.

وكان كمال بلبل، احد المفكرين العلويين قد شنّ في حوار صحافي، هجوما شديدا على حزب الشعب الجمهوري العلماني المتشدد، ووصف سياساته بأنها لا تختلف عن سياسات «العدالة والتنمية» في ما يتعلق بالمطالب العلوية، على الرغم من أن زعيم الحزب الحالي كمال كيليتشدار أوغلو، علوي. وقال إن "مواقف كيليتشدار أوغلو السلبية من المطالب العلوية هروب إلى الأمام، ومن مواجهة الحقائق التاريخية".

وكان العلويون الأتراك قد أسسوا مؤسسات خاصة بهم منها: هيئة الجمعيات العلوية التركية، وقفية الجمع العلوية. واتحاد المنظمات والجمعيات العلوية في أوروبا. ومؤسسة غازي الثقافية في اسطنبول ـ وقف آل البيت البكتاشية العلوية سابقاً ـ وجمعية بير سلطان عبدال، واتحاد البكتاشيين العلويين.

حل المسألة العلوية

نظمت الحكومة التركية بمشاركة العديد من قادة العلويين وغير العلويين ومقاطعة البعض الآخر. منذ حزيران العام 2009،عدداً من المؤتمرات المتتالية للعلوية. وقد أعلن وزير الدولة في الحكومة التركية المكلف بالملف العلوي فاروق تشيليك، عن التقرير النهائي الذي انتهت إليه اجتماعات آخر مؤتمر للعلويين، ورد فيه: "أن تعريف العلوية يعود فقط للعلويين، وأن الدولة لا تتدخل في مضمون المجال الإيماني ولا يمكن أن تنظمه"، وشدد التقرير على انه يجب تناول وحل القضية العلوية في إطار المفهوم العلماني
Haut du formulaire


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بوتفليقة يلقي خطاب الوداع يوم 24 فيفري القادم .

هل باع "هشام عبود" فيلم الصور الخاص بأبو نضال الى الموساد ؟؟؟ وما حقيقة تورط أو علم المخابرات الجزائرية بذلك ؟؟

أهم القواعد الأمريكية في منطقة الخليج العربي المحتل