إله السماء مهندس فاشل
د. كامل النجار
يزعم إله السماء أنه خلق الأرض والسماء
والحيوانات والنباتات، فنستطيع أن نقول إنه مهندس الكون. وكل مهندس يحترم نفسه لا
بد له من مكتب أو معمل به لوح كبير يرسم فيه الأفكار التي تخطر له عندما يفكر في
بناء ماكينة أو سيارة، وعندما تكتمل الفكرة ويجري عليها كل الحسابات ويتأكد من
صمودها للاختبار، يبني مكينة أو سيارة واحدة يسميها prototype ويجري عليها التجارب العملية أي
الاختبارات، فإذا أثبتت فعاليتها وصلاحيتها لما صُممت من أجله، يبدأ الانتاج
التجاري وإلا تُعاد الماكينة إلى لوح الرسومات drawing
board مرة أخرى لإجراء التعديلات اللازمة عليها.
فإذا أخذنا مهندس الكون الذي زعم أنه خلق الأرض والسماء، نجده
يزعم أن له لوحاً محفوظاً فوق العرش قد كتب فيه كل شيء عن مخلوقاته، وكتب فيه كتبه
المقدسة، ومن وقت لآخر يمحو أشياء من ذلك اللوح ويكتب أشياء جديدة مكانها، (يمحو
الله ما يشاء ويُثبّت وعنده أم الكتاب) (الرعد 39). فيبدوا أنه يجري بعض التجارب
أو يغيّر رأيه بخصوص بعض الأشياء التي كان قد قررها، فيمحو ما قرره من قبل ويكتب
مكانه القرار الجديد. إلى هنا يبدو إله السماء كالمهندس البشري، إلا أنه يختلف عن
المهندس البشري بأنه زعم أنه أحسن كل شيء خلقه (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق
الإنسان من طين) (السجدة 7).
وكذلك نجده يقول بعد أن خلق الأرض: (وجعل فيها رواسي من فوقها
وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) (فصلت 10). فهو بعد أن
خلق الأرض واطمأن لصمودها وعرف أنها سوف تؤدي الوظيفة التي خُلقت من أجلها، بارك
فيها، وهذا هو ختم الجودة، ثم قدر فيها أرزاقها في أربعة أيام. وإذا عرفنا أن
اليوم الإلهي يساوي ألف عام مما نعد (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه
في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) (السجدة 5)، وفي بعض الروايات خمسين ألف عام
مما نعد (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) (المعارج
4)، نجد أن المهندس قد أهدر آلاف السنين في خلق الأرض وتقدير أقواتها للبشر
والحيوانات والحشرات، فلا بد أن تكون هذه الأرض في غاية دقة الصنع وفي غاية الجودة
كذلك لأنه قضى آلاف السنين في خلقها.
ولكنا نعرف الآن أن الأرض عندما بردت نزلت درجة حرارتها إلى ما
تحت الصفر وغطاها الجليد عن بكرة أبيها، فلم يكن هناك قوت كافي لا للحيوان ولا
للإنسان، وقد أدى ذلك إلى موت كثير من الحيوانات والبشر. ثم ذاب الجليد وانتهى
العصر الجليدي الأول ليتبعه عصر جليدي ثاني ثم ثالث، انتهى قبل حوالي أربعة عشر
ألف عام. وعندما خرج الإنسان من كهوفه وجد أن الأرض جميعها تغطيها الغابات الكثيفة
التي لا تصلح إلا للحيوانات. فتعلم الإنسان صيد الحيوانات وأكل لحومها وعاش عليها
إلى أن اكتشف الزراعة حديثاً.
فيبدو أن تدبير الأقوات لم يراعِ فيه اختلاف النوعية،
فالديناصورات والأفيال وغيرها كان يرفع رأسه إلى أقرب شجرة ويأكل، بينما الإنسان
كان عليه أن يركض، ربما لأيامٍ خلف حيوان صغير يصطاده..
ومع مرور الزمن تصحرت أجزاء كبيرة من الأرض لأن المهندس لم يكن
قد أعد لها ما يكفي من الماء. والآن أكثر من ثلث الأرض اليابسة صحراء لا تصلح لعيش
الإنسان ولا الحيوان. فهناك الصحراء الكبرى في شمال إفريقية ومساحتها 3.5 مليون
ميل مربع (9 مليون كيلومتر مربع). وهناك الصحارى في شبه الجزيرة العربية ومساحتها
مليون ميل مربع. وهناك صحراء جوبي Gobi في الصين ومنغوليا، ومساحتها نصف مليون
ميل مربع. ومجموع مساحة صحارى أستراليا 576000 ميل مربع ( Great Victoria, Gibson &
Simpson). إضافة إلى الصحارى الصغيرة في جنوب غرب
إفريقيا وفي أمريكا الشمالية، والأجزاء التي يغطيها الجليد على مدار العام: Antartica ومساحتها خمسة مليون ونصف المليون ميل
مربع، و The Arctic ومساحتها 5.4 مليون ميل مربع. وما زالت
الصحارى في اتساع وعدد السكان في ازدياد مضطرد. فإذاً الأرض لا تكفي تماماً لما
خُلقت من أجله، وهو إطعام الإنسان والحيوان، وكلاهما يموت الآن في المجاعات. ومع
ذلك يقول لنبيه أن يقول لنا (تناكحو، تناسلوا، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة).
فمن أين نطعم هذه الأفواه الجائعة؟
بالإضافة إلى ذلك نجد أن قشرة الأرض بها مناطق ضعف يسمونها Fault
lines يسبب احتكاكها مع بعضها البعض زلازلاً
تقتل كل سنة آلاف الأبرياء من البشر والحيوانات الذين لا ذنب لهم سوى أن بلدانهم
تقع بالقرب من تلك الخطوط. وخطوط الضعف التي تحت البحار تسبب التسونامي الذي رأينا
ما يسببه من دمار عندما ضرب إندونيسيا. فلو كان الذي صمم هذه الأرض مهندس من البشر
لقدمناه إلى محاكمة عاجلة بسبب سوء التخطيط والاستعجال في خلق الأرض قبل أن يتأكد
من صلاحيتها لما خُلقت من أجله، رغم العدد الهائل من السنين التي قضاها في الخلق.
فنحن الآن نقرأ عن مهندسين في اليابان وفي مصر التي يكثر بها انهيار العمارات،
يقدمون إلى المحاكمات لأن تصميم عماراتهم لم يكن بالجودة المتوقعة لتصمد أمام
الزلزال أو أمام ازدحام الناس بها.
ثم بعد خلق الأرض والسماء، وسوف أترك السماء الآن لأنها مصطلح
يصعب تحديد معناه، خلق إله السماء، أو زعم أنه خلق، الإنسان والحيوان. ولماذا خلق
الإنسان؟ (وما خلقت الجنَ والإنسَ إلا ليعبدونِ) (الذاريات 56). فما دام السبب
الرئيسي الذي من أجله خلق إله السماء الإنسان هو العبادة، كان يجب على المهندس أن
يتأكد أن هذا الإنسان وذلك الجن سوف تتم برمجتهم بحيث يؤدون الوظيفة التي خُلقوا
من أجلها. وقد بدأ هنا كما يبدأ مهندس البشر بأن صمم prototype واحد وهو آدم وحواء واختبرهما بالشجرة
المحرمة، ووجد أنهما لا ينصاعان لأوامره، ولكن بدل أن يعيدهم إلى لوح التصميم
ليعيد تصميمهما، إنزلهما إلى الأرض وتركهما.
وبما أن المهندس كان في عجلة من أمره وخلق الجن والإنس دون أن
يتأكد من برمجتهم، تمردوا عليه. إبليس تحداه ورفض السجود ثم حاججه وبعد ذلك طلب
منه أن يمهله حتى يوم يبعثون، فاستجاب المهندس لطلبه لأنه لم يكن يملك خياراً
آخراً. أما الإنسان فقد عصاه كذلك من أول يوم في الجنة واستمر في عصيانه على الأرض
التي جعله خليفته عليها. بل تحداه وأصبح عدوه اللدود (من كان عدواً لله وملائكته
ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله عدو للكافرين) (البقرة 98). وعندما أُسقط في يد
المهندس بدأ بإرسال الرسل في محاولة يائسة لإصلاح الإنسان وإعادته إلى الجادة كي
يعبد المهندس. وأخيراً اضطر المهندس بعد أن أرسل 124000 نبي ورسول أن يقر بالفشل،
فقال:
ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا
كفورا (الإسراء 89)
ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراً (الفرقان
50)
وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين (يوسف 103)
وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا
الظن وإن هم إلا يخرصون (الأنعام 116)
وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون (يوسف 106)
وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين (يوسف 103)
فنستطيع، بكل تأكيد، أن نقول إن المهندس قد فشل فشلاً ذريعاً
فيما كان يطمح إليه من خلق الإنسان الذي أصبح عدواً مبينا بدل أن يعبد المهندس.
وإذا رجعنا إلى صنع الإنسان نفسه، نجد أن المهندس لم يحسن التصميم إطلاقاً. وقد
كنا نفترض أن المهندس كان عالماً بما سوف يصير من تكاثر الناس على الأرض ومن قلة
مصادر القوت، خاصة بعد التصحر المتزايد. فكان عليه أن يصمم إنساناً في درجة عالية
من الإتقان في استعماله للطاقة التي نستمدها من الطعام المتناقص بسبب التصحر. ولكن
واقع جسم الإنسان يُثبت أن أكثر من نصف الطعام الذي يستهلكه الفرد يتبدد في شكل
حرارة لا يستفيد منها الجسم، بل قد تضر به كما يحدث سنوياً في موسم الحج عندما
يموت الحجاج من ضربة الشمس heat
exhaustion. ففي مثل هذه الحالات، ونسبة للزحام
وارتفاع حرارة الطقس في الصيف وهرولة الحجاج، ينتج الجسم كمية من الحرارة فائقة
ترفع درجة حرارة الجسم لما فوق الأربعين درجة مئوية، فتتوقف الإنزايمات (الخمائر)
عن العمل ويموت الإنسان.
فالمهندس الذي صمم الجسم لتعمل إنزايماته بين درجات الحرارة 36
إلى 40 درجة مئوية، كان عليه أن يصمم استهلاك الطاقة بحيث يصرفها الجسم في توليد
الحركة فقط بدل أن يذهب أكثر من نصفها في شكل حرارة غير مفيدة قد تعطل عمل
الخمائر. الرجل متوسط الحجم والوزن ينتج من الطاقة 686 kcal/mol وأقل من نصف هذه الكمية يستعمله الجسم
في أداء وظائفه وتخزين جزء منها بينما يذهب الباقي هدراً في شكل حرارة (http://www.elmhurst.edu/~chm/vchembook/5900verviewmet.html)
ونقطة أخرى مهمة في جسم الإنسان أخطأ فيها المهندس لأنه لم يجرِ
أي دراسات على تصميمه، هي كمية الحيوانات المنوية التي يفرزها الرجل أو الحصان،
مثلاً، عند الجماع. فالمرأة أو انثى الحيوان تفرز بويضة واحدة بينما يفرز الرجل في
المتوسط خمسمائة مليون حيوان منوي عندما يقذف، ويفرز الحصان ثمانية مليارات من
الحيوانات المنوية، ولا يدخل البويضة غير حيوان منوي واحد فقط ليلقحها http://everything2.com/index.pl?node_id=557413
تخيل كمية الطاقة التي تصرفها الخصيتان لتكوين كل هذه الحيوانات
المنوية وكمية الطاقة التي يخزنها كل حيوان منوي لتمكنه من السباق نحو البويضة،
وكل هذه الحيوانات تموت بعد أن يسبقها واحد فقط ليدخل البويضة. أي مهندس بشري ينتج
آلة بهذا الحجم من تبديد الطاقة لا يمكن أن يستمر في العمل مع أي شركة.
وخلق المهندس في جسم الإنسان الزائدة الدودية التي تساعد
الحيوانات آكلة العشب على هضم وامتصاص الطعام بينما الزائدة ليس لها أي مهمة
معروفة في جسم الإنسان، وقد يحدث بسببها موت الإنسان إذا التهبت ولم يشخص الطبيب
الحالة بالسرعة المتوقعة. وهناك حالات عديدة من الأخطاء التي يمكن أن تصيب الجنين
في طور التكوين، منها التصاق التوأمين في الرأس أو الصدر أو البطن، وما ينتج من
ذلك من معاناة للتوأمين تنتهي بموتهما معاً في أغلب الأحيان.
عندما يصمم المهندس سيارة أو طائرة، يصب جل اهتمامه على
الماكينة التي تسيّر السيارة أو الطائرة، ولكنه لا ينسى المظهر العام والشاسيه
والكوابح الخ، ولكن يبدو أن مهندس الكون قد اهتم بالشاسيه أكثر من اهتمامه
بالمكينة عندما صمم الإنسان. إذا كسر الإنسان عظماً يلتئم ذلك العظم ويرجع كما
كان، وإذا جرح جلده يلتئم ذلك الجرح وربما يترك علامة بالجلد تدل على مكان الجرح.
ولكن إذا قطع الشخص نخاعه الشوكي أو أتلف دماغة في حادث، وهذه هي الماكينة التي
تسيّر الإنسان، فإن ذلك العطب لا يمكن إصلاحه. هل يُعقل أن يصمم مهندس بشري سيارة
لا يمكن إصلاح العطب بماكينتها؟
هذه أمثلة بسيطة لسوء تخطيط مهندس السماء الذي كنا نربأ به من
أن يرتكب مثل هذه الأخطاء لو كان فعلاً هو الذي خلق الكون ودبره تدبيراً. ويصبح من
السهل علينا أن نثبت الآن أن مهندس الكون قد قدم لنا مزاعم بعيدة عن الحقيقة عندما
قال إنه أحسن كل شيء خلقه.
الحوار المتمدن
تعليقات
إرسال تعليق