في عبقرية الصراع بالمرض
لفهم طبيعة الصراع بين الإمبراطوريات والقوى العظمى، ينصح علماء الإستراتيجية الباحثين بالتوجه إلى متاحف التاريخ الطبيعي والبحري على وجه التحديد.
ولفهم طبيعة الصراع في سرايا الحكم في الجزائر، أنصح بالتوجه إلى روضة الأطفال، مع حفظ المقامات، لأن ما يجري لا يعدو أن يكون كذلك.
فالرئيس يريد أن يكون اللاعب الوحيد ولا يريد لأحد أن يشاركه، بالرغم من أن حالته الصحية والبدنية لا تسمح بذلك، وخصومه لا يريدون إخراجه من اللعبة فقط، بل يصرون على طرده من الروضة كلها.
والشعب كحال المربية المسكينة المغلوبة على أمرها، تداري جميع الأطراف، خشية أن تؤدي مشاكساتهم إلى تكسير وتخريب للروضة، وبالتالي هي من سيدفع الثمن، لأنهم في كل الأحوال أطفال لا يدركون مخاطر أفعالهم.
هذا بالمختصر حال الجزائر الذي أوصلنا إليه أشخاص يفترض أن جميعهم قد تجاوزوا من العمر سبعين سنة.
محمد بلغيث: الجزائر
أولا: هؤلاء أطفال في روضة الحكم وعندهم دبابات وطائرات وصواريخ وملايير الدولارات وعندهم شعب وأرض بمساحة قارة، وينطبق عليهم حال المثل:''أجسام الحمير وعقول العصافير..'' ولو لم يكن الأمر كذلك لما فعلوا بالبلد ما يفعلون به الآن.
ثانيا: في أواسط الثمانينيات مرض الرئيس الشاذلي رحمه الله، ونقل إلى بلجيكا لعلاج انزلاق غضروفي وقع له في ظهره بسبب حركة غطس في الماء غير طبيعية.
المؤسسات الدستورية في البلاد وقفت على رجل واحدة.. لأنها كانت شبه مؤسسات مسؤولة على الأمن المادي والمعنوي للشعب، تحرك العسكر في مجاله لصيانة أمن البلد، وتحرك الأمن في مجاله للحفاظ على أمن البلد والشعب في أمواله وأرزاقه.. وتحولت الإدارة في مجالها لضمان السير العادي لدواليب الدولة، وتحرك الحزب في مجاله للقيام بما يجب القيام به نحو الشعب، وتحرك الإعلام هو الآخر عبر وزارة الإعلام ليشرح للناس بالتفصيل الذي حدث للرئيس.
كنت وقتها رئيس تحرير جريدة ''الشعب'' فاتصل بي وزير الإعلام المرحوم بشير رويس عضو المكتب السياسي، وقال لي ''لا بد أن تفهم بأن دور المؤسسة التي تقود تحريرها مهم في صيانة الأمن المعنوي للشعب، لأنها جريدة معرّبة ودورها حيوي في جلب التعاطف مع الرئيس في مرضه.. فقلت له الأمر لا يحتاج إلى جلب التعاطف بل يحتاج إلى طمأنة الشعب على صحة الرئيس بواسطة جعل الأطباء يتحدثون للشعب عن هذا المرض، وهو أمر لا يمكن أن نعالجه بكتابات صحفية عاطفية.! وفهم الوزير أنني أعارض تعبئة الشعب عاطفيا مع مرض الرئيس بواسطة الجريدة.. فكلف الوزير مدير الإعلام بالوزارة الزميل محمد الشريف عنان بإقناعي بالأمر.. فقلت له عندما اتصل بي: هل تريدني أن أكتب افتتاحية أقول فيها: ''إن الإنزلاق الغضروفي الذي وقع في ظهر الرئيس إن دل على شيء فإنما يدل...'' فقاطعني أنت مجنون ويمكن أن تفعلها.! وتفهّم الوزير والمدير الأمر وطلبوا من الأطباء المشرفين على علاج الرئيس التحدث إلى الشعب وهو ما كان.. وكان له أثره في طمأنة الناس على صحة الرئيس.. ترى السلطة اليوم أصبحت غير قادرة على تسيير أخبار مرض الرئيس هل يمكن أن نطمئن لها بأن تسيّر البلد في هذه المحنة التي تواجهها؟!
bouakba2009@yahoo.fr
تعليقات
إرسال تعليق