عبد العالي رزاقي - الرئيس الذي قتلته هموم الجزائر
الرئيس الذي قتلته هموم الجزائر
هل قدر على الجزائر أن تفقد خلال 12 شهرا (أفريل 2012 أفريل 2013م) ثلاثة رؤساء وعددا من رموز ثورتها من بينهم عبد الحميد مهري وأحمد مهساس وعبد الحق بوحارة ومصطفى بن تومي وعبد الحميد كرمالي؟ وكيف يمكن تأمين ثورة تفقد صانعيها في صمت ويتقلص حجم ذاكرتها التاريخية ولا يحرّك مثقفوها ساكنًا؟
وصية شهيد
لم أتعوّد الكتابة عن الذين أعتزّ بهم فهم لا يرحلون بموتهم لأنهم يتركون بصماتهم في حياتنا، ويجعلوننا نتذكرهم ونتذكر وصاياهم لنا فالشهيد العقيد لطفي بعث إلى العقيد علي كافي برسالة في مارس 1960م يقول في فقرة منها: "وصيتي المهمة في هذا اليوم هي أنك ملزم باجتهاد عظيم لاكتشاف إطارات يكونون في المستقبل أهلا للمسؤوليات الكبيرة وذلك لئلاّ يكون للجزائر ابناك (كراسي) عوض مسؤولين".
هذه الوصية تضمنتها مذكرات الرئيس الراحل علي كافي وهي تعكس كيف أن الجزائر صار فيها "ابناك" تحاكم من يقول الحقيقة وهذا ما تعرّضت له الطبعة الأولى من مذكراته.
من يلتقي علي كافي يجده مهموما بالتحريض على تشجيع الكفاءات ودعمها فهو أول رئيس دولة في الجزائر يحضر مناقشة دكتوراه دولة ويدعو الأساتذة إلى بيته وهو الذي استعان في كتابة مذكراته بمن رأى فيهم القدرة على مساعدته.
الكشف عن التآمر والفساد
الرواية التي يقدّمها المرحوم كافي عن محاولة انقلاب لعموري على الحكومة المؤقتة تحمل الكثير من الدلالات فهي تتحدث عن جماعة تتآمر في بيت سالم شلبك باللغة الشاوية ظنا منها أنه لا يفهم هذه اللغة، لكن خوفه وحرصه على الثورة جعلاه يبلّغ بالأمر وبقية القصة يعرفها الكثير، وهي قصة لا تختلف عن تلك القصة التي أنقذت المخرج جمال شندرلي من الإعدام خلال الثورة ليصوّر مجازر فرنسا في شريط قدّمه وفد الثورة الجزائرية إلى الأمم المتحدة، كما لا تختلف عن قصة مفادها أن كافي عندما كان سفيرا للجزائر في مصر تدخل لدى الرئيس جمال عبد الناصر ليمنع باخرة شحن مصرية كانت محملة بالأسلحة متوجهة إلى وهران، يقول كافي موجهًا كلامه إلى عبد الناصر: "إن مثل هذا التصرف يُعدّ انحيازًا ويساهم ولو بغير قصد في إضرام الحرب الأهلية التي تخطط لها جماعة تلمسان والزاحفون على العاصمة وبذلك سيساهم في إفساد العلاقات بين الثورتين الجزائرية والمصرية"
تولى الفقيد في عهدي الراحلين أحمد بن بلة وهواري بومدين تمثيل الجزائر في خمس دول عربية وهي: مصر ولبنان ودمشق وليبيا وتونس، وفي كل سفارة كانت له قصة آخرها عام 1975م بتونس عندما حوّلت أموال من وزارة الخارجية الجزائرية إلى سفارته فأعادها وطلب فتح تحقيق حول الجهة التي تريد الاستفادة منها وكانت رسالته وثيقة لتبرير إنشاء مجلس للمحاسبة في عهد الراحل الشاذلي بن جديد وبقية القصة يعرفها الكثير.
كان المرحوم منحازا لمن شاركوا في الثورة او دعّموها فبمجرّد ما انتخب امينا عاما للمجاهدين طلب من السلطات الجزائرية توجيه رسالة إلى الرئيس السوري المرحوم حافظ الأسد للإفراج عن نور الدين الأتاسي الذي يطلق عليه الكثير عميد المسجونين السياسيين وفي الوقت نفسه تدخل لتسوية أوضاع الذين شاركوا في الثورة الجزائرية ومن بينهم إبراهيم ماخوس.
مجلس للمثقفين وآخر للمجاهدين
كان لقب المجاهد أكثر تأثيرا على الفقيد منه عن صفة الرئيس وكان منشغلا بالقراءة وجمع الوثائق النادرة فكانت على طاولته عدد من الصحف اليومية من بينها صوت الأحرار والخبر والشروق والفجر إلى جانب جريدتي الشرق الأوسط والحياة اللندنية اللتين كنت اتردد عليه لأخذهما وتوزيعهما على طلبتي بكلية الإعلام .
كان مقر إقامته بسيدي فرج بمثابة مجلس ثقافي يلتقي فيه كتاب الأعمدة والأساتذة والمجاهدون وخاصة في الأعياد الوطنية مثل أول نوفمبر وعيد الاستقلال وعيد النصر ويوم الشهيد وهي الأعياد التي ثبتها رسميًا عندما تولى رئاسة المجلس الأعلى للدولة.
كان الرئيس كافي متحمسًا لإنهاء الجزء الثاني من مذكراته الخاصة بالفترة الدبلوماسية التي عاشها سفيرا والفترة التي تولى فيها أمانة المجاهدين ورئاسة مجلس الدولة ولكنها كانت من أصعب المراحل والمعلومات المتعلقة بها يصعب حتى كتابتها، فوعدنا بالإطلاع على وثائقها في الوقت المناسب؟!.
يبدو أن الحملة المنظمة على الجزء الأول من مذكراته هدف تعطيل نشر الجزء الثاني منها فهل ستكون اكثر جرأة من الأولى أم ماذا؟.
قبل أكثر من اسبوعينه زرت الراحل في بيته رفقة الزميل أحمد عظيمي ولاحظت انه كان متألما مما وصلت إليه الجزائر ويحملنا كمثقفين مسؤولية ذلك، وعندما رأيه فيما حدث بعين آميناس استبشر خيرا وقال: "أحمد الله ان لنا جيشا يستطيع أن يحمي البلاد"، حاولنا أكثر من مرة إقناع الرئيس بتسجيل شريط مصور عن الثورة وعلاقة الجزائر بالبلدان العربية ومرحلة رئاسته للمجلس الأعلى للدولة ليبث في تلفزة »الشروق« فوافق مبدئيا وطلب منا وضع المحاور الأساسية لهذا الحوار المطوّل، وقدمنا له ذلك مكتوبا وأرجأ ذلك إلى وقت لاحق، لكن المنية وافته.
نقلاً عن صحيفة "الشروق" الجزائرية
تعليقات
إرسال تعليق