محمد مرسي في مقال ساخر لعبد الحليم قنديل :" مرسي لابس مزيكا"
فى حواره التليفزيونى الأخير، لا تجد خبرا جديداً ولا قديما، اللهم إلا إلحاح السيد محمد مرسى على وصف نفسه بعبارة «أنا رئيس الجمهورية»، والتى كررها أكثر من عشرين مرة فى حوار فارغ من المعنى والجدوى.
وقد لا نعلم شيئا يقينيا عن الحالة الصحية العضوية للسيد مرسى، اللهم إلا كلاماً متواتراً عن عمليات جراحية فى المخ، لكن الحالة الصحية النفسية للرجل تبدو ظاهرة للعيان، فهو فى حالة انبساط وانشكاح دائم، وكلما حلت مصيبة بالبلد زادت سعادته، واتسعت ابتسامته، وقد تحتار فى تفسير ضحكته، فهل هى من نوع ابتسامة «الشرقاوى» الطيب البسيط؟، أم هى من نوع بلاهة جندى الأمن المركزى الذى يفتح فمه للعابرين؟، أم أنها نوع من «الضحك المرضى» المعروف فى عالم الطب؟، والذى يبدو فيه المريض فاتحا فمه كأنه يضحك، مع أنه لا سبب للضحك ولا قصد فيه، بل مجرد حالة عضوية مرضية، ما علينا من التفاسير، فالله أعلم بعبيده، المهم أن مرسى لا يكف أبداً عن ترديد عبارة «أنا الرئيس» فى سعادة غامرة، وكأنه لا يصدق حتى الساعة، وبعد ثمانية شهور على توليته المنصب، وإقامته المرفهة فى قصر الرئاسة، لا يصدق الرجل أنه أصبح بالفعل رئيسا، وكأن لم يصله الخبر بعد، أو كأن الخبر وصله للتو، فالرجل يبدو على الدوام، وكأنه يلبس «مزيكا»، وينفخ فى مزمار «أنا الرئيس»، وربما لم يعد ينقصه غير استحضار جمع غفير من بلدته الشرقاوية، يركبون سيارات الفرح، وكلما قال مرسى «أنا الرئيس»، يرد الكورس القروى من ورائه بأصوات «كلاكسات» السيارات «بيب.. بيب.. مرسى»!
ولست أنصح السيد مرسى بشىء، فالرجل يعيش مع مزماره، ويتصور أنه فاز فى «مسابقة يانصيب»، وربح ورقة «الرئيس»، بينما تعيش مصر فى بؤس كظيم، ولا تملك أن تضحك له، بل أن تضحك عليه، فلا أحد يتصور هم وحزن المصريين لو كفوا عن إطلاق النكات، وقد كان لمرسى فضل إنعاش سوق النكتة المصرية، وعلى طريقة شر البلية ما يضحك، وقد كان مبارك فى سنواته الأخيرة موضوعا مفضلا لنكات المصريين، وبدا المخلوع كرئيس أصغر من حكم بلد بحجم مصر المزدحمة بأحلامها وأوجاعها، لكن مرسى حطم أرقام مبارك فى البلادة، وبدا فى أيامه الأولى على حال عظيم من الغياب العقلى والوجدانى، وبدا كأنه لا يعرف من مهام الرئاسة سوى اسمها، وقد قلت ـ قبل سنوات بعيدة ـ إن مبارك حول مقام الرئاسة الرفيع إلى «محل كشرى»، وبدا إغراء التشبيه ظاهراً وقت أن قال مبارك «ابنى بيساعدنى»، لكن مرسى ـــ والحق يقال ـــ جاوز مبارك إلى درك أسفل، وحول مقام الرئاسة الرفيع إلى «دوار العمدة»، وأثبت ليس ـــ فقط ـــ أنه أخفض مقاما من حكم بلد بحجم مصر، بل ربما لا يصلح الرجل حتى لإدارة مجلس قروى، ودعك من إنجليزيته الركيكة المخزية على طريقة «إنجليزى ده يا مرسى»، والتى يصر على التحدث بها رغم جهله بأبجديتها، وحتى صارت حكايته مضغة فى أفواه الأمم، ثم انظر إلى لغته العربية الغرائبية، فهو يتحدث كخدام المساجد، وربما يفيد الناس لو عمل بوظيفة مشابهة، فهو لا يعرف من السياسة سوى عبارة «الحق أبلج والباطل لجلج»، ثم «يتلجلج» الرجل حين يسألونه فى أى موضوع، ويروح فى نومة كلام تغرقه وتغيبنا، فلا يعود المستمع يعرف ما هو الموضوع، ولا الذى دفعه لأن يسمع لجاجا بلا معنى، وفى آخر النومة يصحو السامعون على عبارة مرسى الأثيرة «أنا رئيس الجمهورية»، ودون أن تعرف أى جمهورية يقصد، ولا عن أى رئيس يتحدث، والانطباع الذى يبقى فى نفسك يبدو موحشا، وتكاد تحس أن منصب الرئيس لايزال شاغراً، وأن وجود شخص كمرسى هو والعدم سواء، فلا أحد هناك (!).
وبوضوح، فإن السيد مرسى يبدو كرئيس افتراضى، قد تتخيله على الكمبيوتر، أو على «اللاب توب»، أو على شاشة «الآى فون»، لكنك لا تحس أبداً بوجود رئيس، ولا وجود سلطة من أصله، فالسلطة أى سلطة، وسواء كانت ديكتاتورية أو ديمقراطية أو مهلبية، السلطة ـــ أى سلطة ـــ لها تعريف واحد، السلطة تعنى الإذعان مقابل الإشباع، فالأب لا يكون أبا فى بيته بغير نهوض بمسئولياته، والأم كذلك، والحاكم يكون حاكما بقدر ما تفرح به أو تتألم، لكن مرسى يبدو لا شىء على الإطلاق، أعرف أن الرجل موجود فيزيائيا، وأنه من مواليد بلدة بسيطة فى الشرقية، ولابد أن له شهادة ميلاد وبطاقة رقم قومى، لكن ذهابه إلى منصب الرئاسة يبدو ككرة فى «الآوت»، ودعك من شرعية رئاسة مرسى أو عدم شرعيتها، فقد فقد الرجل شرعيته الانتخابية باليقين، ومنذ صدر إعلانه الدستورى المنكود فى 21 نوفمبر 2012، نقول «منذ صدر إعلانه»، وليس «منذ أصدر إعلانه»، فالرجل لا يصدر شيئا، بل تصدر له الأشياء، وهو مجرد عنوان بريدى، تصل عليه أوامر مكتب إرشاد جماعة الإخوان، تعد له القرارات والقوانين وكشوف التعيين، ولا تترك له سوى مهمة وضع خاتمه الكريم، ولابد أنه يشعر بالنشوة مع وضع توقيعه أسفل عبارة «رئيس الجمهورية»، لكنه لا يدرى ـ على الأرجح ـ علام يوقع بالضبط، تذكر ـ مثلا ـ قراره الذى اختار يوم «عيد القيامة» ـ بالذات ـ موعدا لإجراء الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، فلم ينظر الرجل فى أجندة موضوعة على مكتبه، ولا فكر فى استعارة أجندة من «محل كازوزة» أمام قصر الرئاسة، ولم يعد عن الاختيار الغريب الشاذ إلا بعد ضجة أثيرت فى وسائل الإعلام، وهكذا كانت كل قراراته، يوقعها دون أن ينتبه لما فيها، ويعلنها تحت الأضواء الكاشفة قرب منتصف الليل، ثم يلغيها أو يستبدلها مع طلوع شمس الصباح، والمهم ـ عنده ـ أن ينظر فى مرآة نفسه، وأن يزهو بعبارته العبثية «أنا رئيس الجمهورية»، وقد تراءى له مرة أنه أصبح الرئيس فعلاً، ونصحه مكتب الإرشاد أن يظهر العين الحمراء، وأن يعلن حالة الطوارئ وحظر التجوال بمدن القناة فى بيان متلفز، وكرر خلال إلقاء البيان إشارة إصبع التهديد الواهن، ولم يلغ الرجل قراره إلى الآن، ولسبب بسيط جداً، وهو أن القرار ألغى من تلقاء نفسه، وتحول حظر التجوال إلى حظر النوم، وتحولت الطوارئ إلى عصيان مدنى بطولى فى بورسعيد بالذات، فلا أحد يذعن لمرسى، ولا أحد يرهب تهديداته، أو يخاف قواته المندفعة فى قتل وتنكيل جنونى، فقد بدا الرجل زائداً عن الحاجة، وبدا كأن لا أحد يعترف عمليا برئاسته سوى عشيرته، وسوى مكتب إرشاد الإخوان الذى انتدبه فى مهمة رسمية، وكلما أوقعوه فى خطأ انتهى إلى خطيئة، وكلما دعا إلى حوار، تحول إلى خوار، فليس لدى الرجل أى مقدرة على التصحيح الذاتى، ولا على ضبط خطوات السير، ولا التعلم من الخطأ، ومكتب إرشاد الإخوان لا يبدو مهتما بمصير مرسى الشخصى، فهم يتعاملون معه كأنه منديل كلينكس، لا يعنيهم مدى مقدرته على إثبات أنه رئيس لكل المصريين، والمهم ـــ عندهم ـــ أن يطيع وينفذ، ولا بأس ـــ عندهم ـــ أن تنهار البلد، وأن يتحطم اقتصادها، أو أن تتفكك، أو أن تسود الفوضى، أو أن تسيل الدماء، كل هذا لا يهم، المهم أن يتمكن أفراد العصابة من مفاتيح المال والسلطة، ومن وراء غطاء رئاسة مرسى، والذى أصبح ـ للأسف ـ عنوانا على العصر الذهبى للعبط، وعلى زمن ازدهار النحس، وكلما ساءت أحوال البلد، انتعشت أحوال مرسى، وبانت نواجذه، وأصبح فى قمة سعادته وانشكاحه، ولبس بدلة «المزيكا»، ونفخ فى مزمار «أنا رئيس الجمهورية»، وما من مبرر للعجب، فأنت فى حضرة العجب العجاب شخصيا. ولله فى خلقه شئو
نشر بتاريخ 4/3/2013 العدد 638 صوت الأمة
تعليقات
إرسال تعليق