التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قلق جزائري من ضياع الذاكرة التاريخية في مقبرة العالية


قلق جزائري من ضياع الذاكرة التاريخية في مقبرة العالية
الرحيل المتتالي لرؤساء وقادة تاريخيين دون كتابة مذكراتهم يطرح "صراع الذاكرة"
مقبرة العالية تضم رفات 6 شخصيات تاريخية
الجزائر- عثمان لحياني - لموقع قناة العربية نت 
في ظرف سنة أو أكثر بقليل، استقبلت مقبرة "العالية" في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، جثامين ست من الشخصيات التاريخية والسياسية البارزة التي لعبت دوراً محورياً في تاريخ الجزائر.
ومع وفاة كل شخصية سياسية وتاريخية في الجزائر، يتزايد القلق حيال الذاكرة الوطنية، ويعاد طرح مأزق عدم كتابة تاريخ الجزائر، في شقيه المرتبط بفترة الاستعمار والنضال الوطني، وفي مرحلة الاستقلال والمراحل المفصلية والحساسة في تاريخ الجزائر. وتنظر أغلب النخب الثقافية والسياسية والإعلامية، والباحثين في التاريخ السياسي للجزائر على وجه الخصوص إلى الرحيل المتتالي لأبرز الشخصيات التاريخية والسياسية في الجزائر، بحالة من القلق، وتعدها خسارة كبيرة للذاكرة التاريخية في الجزائر.
مذكرات الشادلي بن جديد
ويتحدث الجزائريون عن نهاية جيل الثورة، بعد خمسين سنة من استقلال البلاد، بعد وفاة رؤساء الجمهورية السابقين أحمد بن بلة والشاذلي بن جديد وعلي كافي وشخصيات تاريخية، كعبد الحميد مهري وأحمد محساس وعبدالرزاق بوحارة وغيرهم، دون تدوين واستخلاص كل الحقائق والمعلومات والوقائع من أفواه من صنعوا تلك الأحداث أو عايشوها عن قرب.
كما يتأسف كثيرون في البلاد على عدم كفاية ما كتبه هؤلاء الراحلون من مذكرات، في كشف وإضاءة ما يتصل بحقائق ثورة الجزائر والمراحل الأولى من الاستقلال، وما تلا ذلك من مراحل البناء الوطني.

نهاية جيل الثورة

إلى ذلك، زاد القلق بهذا الشأن بعد رحيل الرئيس علي كافي الذي حكم البلاد من يوليو/تموز 1992 إلى غاية ديسمبر/كانون الأول 1994 بعد اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف على يد أحد حراسه في 26 يونيو/حزيران 1992.
كما توفي في 11 إبريل/نيسان 2012 الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة عن عمر يناهز 96 سنة، بعد مرض عضال. هو الذي يعد أول رئيس للجزائر المستقلة حكم في الفترة بين سبتمبر/أيلول 1962 حتى 19 يونيو 1965، حيث أطاح به انقلاب عسكري حمل قائد الجيش الرئيس الراحل هواري بومدين إلى السلطة، ووضع في الإقامة الجبرية. تلاه في السادس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي رحيل الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد عن عمر يناهز 83 سنة، بعد تدهور وضعيته الصحية، ومعاناته مع مرض السرطان. وكان الشاذلي حكم الجزائر بين نهاية 1979 لغاية 12 يناير/كانون الثاني 1992 عندما قدم استقالته.
وفقدت الجزائر خلال الفترة نفسها ثلاثة من كبار قيادات الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، أبرزهم عبدالحميد مهري الذي شارك في مفاوضات ايفيان التي انتهت بإقرار استقلال الجزائر. وفي 10 فبراير/شباط الماضي توفي أحد كوادر الثورة الجزائرية الوزير السابق عبدالرزاق بوحارة وقائد الفيلق الجزائري في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973. كما توفي في 24 فبراير/شباط الماضي أحمد محساس، وهو عضو في مجموعة 22 التي قررت تفجير ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي. وفي 15 إبريل/نيسان الجاري فقدت الجزائر أيضاً عبدالحميد كرمالي، أحد القيادات الرياضية التي أسست فريق جبهة التحرير الوطني (فريق ثورة الجزائر) عام 1958، الذي لعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التعريف بالقضية الجزائرية.

مذكرات لا تضيء

وعلى الرغم من أن الرئيس الراحل علي كافي أصدر مذكراته بعنوان "من المناضل السياسي إلى القائد العسكري" عن ثورة التحرير، فإن فصلاً هاماً من مسار الجزائر في أزمة خريف 1992، واندلاع أعمال العنف والإرهاب، ضاع مع رحيل الرجل.
كذلك أصدر الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد مذكراته في جزأين، تناول الأول مرحلة الكفاح ضد الاستعمار، لكن الجزء الثاني الذي يتناول المرحلة التي تلت اعتلاءه سدة الحكم حتى استقالته في 12 يناير 1992، وبداية دوامة الإرهاب في الجزائر لم تصدر بعد. ولم يخلف عضو مجموعة 22 التي فجرت ثورة الجزائر الراحل أحمد محساس، الكثير من المؤلفات عن الظروف التي سبقت اندلاع الثورة والخلافات التي طرأت بين قيادات ثورة الجزائر، والنزاع على السلطة الذي أعقب السنوات الأولى للاستقلال، ورغم موقع الرئيس الراحل أحمد بن بلة المحوري في أحداث وتفاصيل هامة سبقت اندلاع ثورة الجزائر في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، وظروف التخطيط لها، ثم فترة حكمه كأول رئيس للجزائر المستقلة، لكن تدوين تلك الوقائع فاته، ولم يخلف سوى بعض الحوارات وشهادة متلفزة بثتها إحدى القنوات العربية.
في حين لم يتح الانشغال السياسي للراحل عبدالحميد مهري الكثير من الوقت لتدوين فصول هامة وحلقات مفصلية في تاريخ الجزائر، خاصة أنه كان شاهداً على جملة من الوقائع والأحداث التي رسمت مسار الجزائر قبل وبعد الاستقلال.

ضياع الذاكرة والأسرار

رغم المذكرات التي كتبتها بعض هذه الشخصيات وغيرها، فإن المكتبات في الجزائر لا تحبل بكتب كثيرة عن تاريخ البلد، ولا تتناسب مع الزخم التاريخي وتزاحم الوقائع والأحداث التي مرت بها الجزائر خلال قرن ونصف من الاستعمار (1830-1962)، وخلال خمسين سنة من استقلالها منذ الخامس يوليو 1962.
وتعبر مسؤولة القسم الثقافي في صحيفة "الخبر"، كبرى الصحف الجزائرية، مسعودة بوطلعة عن ألم شديد من إخفاق الجزائر في إنجاز تاريخها المكتوب. وقالت لـ"العربية.نت ": "أنا أحس بالاختناق، ومؤلم جداً أن نفقد ذواتنا وتاريخنا مع رحيل كل هذه الرموز التاريخية". وتضيف بوطلعة "قبل اليوم دق كثير من المؤرخين والكتاب ناقوس الخطر، لأننا نفقد يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة تاريخ ثورة التحرير، وهناك العديد من الأسئلة التاريخية التي ما زالت عبارة عن علامات استفهام والأجيال اللاحقة ستطالب بالإجابة عنها". ويعتقد أن عدم كتابة تاريخ الجزائر من قبل صانعيه وتأخر الباحثين في ذلك أيضاً سيكون له انعكاس كبير على "صراع الذاكرة" الذي تخوضه الجزائر ضد فرنسا المتمسكة بمسعى تبييض مرحلة استعمارها المظلم للجزائر. وفي هذا السياق تقول مسعودة بوطلعة إنه "من المؤرق حقاً أن فرنسا تملك أرشيفاً مكتوباً عن تاريخ الجزائر، وكم من الوثائق، وهذا سيكون في صالحها مستقبلاً".
من جهته، يعتقد الباحث محمد بغداد أن "هناك خلفيات سياسية تقف وراء تقصير الدولة الجزائرية في كتابة تاريخ البلاد، بسبب التخوف من اضطرابات وتضارب الشهادات والصراع الخفي بين الشخصيات التاريخية قد يطفو إلى السطح". ويعتقد بغداد أنه "كان من الحكمة -على الأقل- جمع هذه الشهادات ووضعها في الأرشيف، إلى حين بروز الظرف المناسب لاستغلالها، بدلاً من أن تضيع في تراب مقبرة العالية"، التي تضم قبور أبرز الشخصيات الجزائرية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل باع "هشام عبود" فيلم الصور الخاص بأبو نضال الى الموساد ؟؟؟ وما حقيقة تورط أو علم المخابرات الجزائرية بذلك ؟؟

عائلة بوتفليقة وعقدة الشعور بالنقص

هشام عبود في رده على سعد بوعقبة : لا انزل الى مستواه والعدالة هي من تفصل بيننا .