الكتابة متعة ...بقلم نارام سرجون



نارام سرجون

الكتابة متعة للكاتب الثائر .. والأقلام خيوله التي تحمله في غاراته وغزواته .. وما الورق الا ساحات النزال لاجتياح ممالك العقول ومدن المنطق التي يفتحها كل يوم أو يخسرها كل يوم .. وأنا أريد ان لاتتوقف خيولي عن الغزو كما توقف عقبة بن نافع أمام بحر الظلمات عندما انتهت حدود عالمه القديم .. بل لعل عقبة قد افتقد أجمل الفتوح في مابعد بحر الظلمات .. فالكتابة الأجمل هي الابحار في بحر الظلمات على متن خيول الضوء التي تشرب من دواة ملئت بضوء الشمس لتخوض في ثورات بحر الظلمات .. بحر الربيع العربي ..

ولكن ليس في معارك الربيع العربي ممالك ولامدن ولافتوح ولاأمراء ولاملوك ولاأبطال صناديد .. فنحن نحارب على الورق وفي الفضاء مجموعة من قطاع الطرق واللصوص والقراصنة الذين يسمون كتاب الثورات وزعماء المعارضات العربية .. ليس في عروق القراصنة المسفوك دم نبيل لتغسل به السيوف وتعمّد الانتصارات .. وليس فيه رحيق ولاعطر .. بل دم فاسد أسود من لون ذلك السائل الذي تتقيأه الصحراء العربية ..

أحس أحيانا أن المعارضة العربية الحالية والسورية تحديدا هي أكاديميات لتدريس الغفلة وتخريج المغفلين .. وان من يدخلها فكأنما دخل مشفى الأمراض العقلية .. بدأت المأساة مع الخريج الأول برهان غليون .. الذي صدم الجميع بسذاجته وعدم قدرته على قراءة المأزق السياسي الذي كان فيه والورطة التي دخل فيها ولن تحل عنه الى الأبد حتى ترحّله معها .. ساذج ضحك عليه مجنون مريض مثل رياض الشقفة وبعض الاسلاميين وأقنعوه أن يعتلي منبر الخطباء والوعاظ ويوجه خطابا رئاسيا في يوم العيد .. في ذلك اليوم حلم برهان أنه يمكن أن يكون رئيس الجمهورية العربية السورية .. وأنه يستعرض حرس الشرف ويستقبل الوفود .. وكان من الأجدى له أن يفكر برحلة الى المريخ لأنها أسهل من السفر الى قمة جبل قاسيون المكان الأصعب للاعتلاء على وجه الأرض والذي لايصل اليه الا من يحمله شعب سورية اليه .. ولم يكن لدي أي شك أن الرجل فقد عقله ودخل في أحلام اليقظة ..

العاهة التالية التي تخرجت من تلك الأكاديمية فكانت عبد الباسط سيدا الذي كان كلما تحدث تحسست جيبي بشكل عفوي لأعطيه بعض النقود كما نحس عند رؤيتنا لمتسول مختل عقليا .. لكثرة ماكان يثير الشفقة والشعور باليأس والقنوط .. وقد صار له بذمتي الكثير من النقود التي لم يتسن لي ايصالها له .. ولكنني محتفظ بها له لتصل اليه في أقرب فرصة .. رغم أن قطر دفعت له الملايين فان نقود التسول ألذ على قلوب الصغار الذين اعتادوا على أموال الاعانات الاجتماعية ..

اما ثالثة الأثافي فكانت شخصية معاذ الخطيب .. والأثافي لغة هي الأحجار التي توضع تحت القدر لتوقد بينها النار (وكانت دوما ثلاثة ليستوي القدر).. فبعد أن رأينا الأثفية الأولى برهان .. والأثفية الثانية سيدا .. كنا على أحر من الجمر لرؤية الأثفية الثالثة التي سيضعها طباخو الثورة الفرنسيون والأتراك والعربان تحت قدر الثورة لتنضج حرية الشعب السوري .. ولكنني كلما قررت أن أكتب عن الأثفية الثالثة (السيد معاذ الخطيب) أصابني الملل .. وتثاءبت ..بل يميل قلمي الى رسم الدوائر والمربعات والخطوط التائهة على الورق .. ويتصرف كأنه يفتقد لذة القتال وتتراجع لديه نزعة الهجوم فماذا يمكن ان يكتب قلم شرس مسلح من رأسه حتى أخمص قدميه عن شخص ساذج؟؟ وماذا يمكن أن يكتب قلم يشرب من أعاصير النار عن خيط دخان .. نفس الشعور الذي يخالجني عند محاولة الكتابة عن الأبله المرزوقي في تونس .. فكلاهما يقف قلمي أمامهما كالسيف ثم يتركهما حسنة في سبيل الله واشفاقا .. أعترف أن قلمي لايحس بطعم المغامرة ونكهة الفتح كلما أسرجته وقلت له ان غارتنا اليوم هي نحو معاذ الخطيب .. حيث يصاب قلمي بالاعياء ويتمارض .. ويتدلى رأسه الناعس على عنقه كما العجوز المسافر في قطار في رحلة طويلة..

لكن معاذا أسال لعاب قلمي مؤخرا وفتح شهيته لأنني اكتشفت أن تذبذب الرجل منحه قدرة كبيرة على الاضحاك والادهاش وأنه أكثر الثورجيين خفة دم .. وأنه يريد ان يمارس السياسة على طريقة ابحار جون كيري والذي يعرف في الولايات المتحدة بأنه يسير كل يوم مع ريح جديدة.. ولمن لايعرف تذبذبات كيري وتراجعاته الشهيرة فاليه هذا الشرح المقتضب بهذا الفيديو الظريف ..فهو معروف ومشهور أنه يؤيد قضية ولكنه يصوّت ضدها .. ويتعهد بشيء لكنه يفعل نقيضه تماما مثل مواقفه وتصريحاته في الأزمة السورية .. ليس له اتجاه واضح كما سخر منه الاعلام الأمريكي في هذا المقطع ابان حملته الانتخابية لرئاسة أميريكا ضد جورج بوش:

https://www.youtube.com/watch?v=pbdzMLk9wHQ

كيري يتأرجح بين المواقف حول سورية كما شراعه يتأرجح في كل شيء طوال حياته .. مرة يريد حلا سلميا سوريا لكنه في اليوم التالي يدعم تسليح المعارضة .. وفي يوم آخر يريد التفاوض مع الأسد ولكنه في اليوم التالي يريده أن يتنحى .. وبنفس الطريقة يسير معاذ على نفس طريقة سيده جون كيري .. فمرة يريد معاذ من المسيحيين أن يأمنوا ويبقوا في سورية ويقطر العسل في حلوقهم وفي اليوم التالي يدافع عن قتلة جبهة النصرة التي تريد ذبح الجميع وسقاية الشوارع والمآذن من دم الأعناق .. ومرة يريد التفاوض مع الدولة السورية وفي اليوم التالي يريد اسقاط النظام .. ومرة يستقيل احتجاجا على التلاعب بأقدار السوريين لكنه في اليوم التالي يجلس بين المتآمرين على السوريين كأن شيئا لم يكن وكأن ذاكرة الناس مثقوبة .. ومرة يطالب بالناتو لحماية السوريين وبعد ساعات يصرح أن هناك مؤامرة واضحة لتقسيم سورية !!! وكأن المنخرطين في مؤامرة التقسيم هم سكان تايوان وليس أردوغان وسكان تل أبيب ونيويورك وحكام الدوحة ..والناتو نفسه

ومعاذ يحاول أن يمارس الفهلوية السياسية بمنطق ان الحرب خدعة وعلى طريقة باعة البسطات السياسية وبضائع الأرصفة الاسلامية أي على طريقة حماس التي ستحرر القدس من الدوحة واستانبول والتي رفع خالد مشعل علم الانتداب الفرنسي على سورية دون أن يعرفه (كما قال) تماما كما لم يعرف شيخ الأزهر طنطاوي من هو شيمون بيريز وصافحه بحرارة ..

الرجل يتحول يوميا الى كوميديا سورية تستحق بجدارة اسم كوميديا (ملح وسكر) الشهير لدريد لحام .. وصارت له قفشات ومشاهد كوميدية وهو يذوب بين ملح التصريحات وسكر الوعود .. وصار يشبه تمثالا من الملح يريد أن يسبح في نهر السياسة .. كلما نزل الى الماء ذاب بعضه وتلاشت ملامحه وتضاءل وتقلص حجمه فخرج من الماء وتنشف بمنشفة السكّر ..

ولكن أكثر قفشات معاذ الكوميدية هي دعوته الرئيس الأسد الى مناظرة علنية ..حيث تورم شعوره بالتناظر منذ أن جلس على مقعد سورية في الجامعة العربية .. يشبه شعور معاذ بالتناظر مع الرئيس الأسد بعض نشرات الأخبار التي تحاول اضفاء نوع من التناظر والتساوي على الشخصيات العالمية فتقول مثلا: التقى وزير الخارجية الأمريكي بنظيره الروسي أو الصيني أو السوري أو العراقي (أيام صدام حسين) .. أو مثلا بنظيره البريطاني أو الفرنسي .. لكن المثير للضحك أن يقال: التقى وزير الخارجية الأمريكي بنظيره الصومالي أو الاريتيري فهذا لايليق باذن المستمعين أو بالذائقة السمعية .. وهو أيضا قلة احترام للمستمع ولمبدأ التناظر .. ولكن سيكون الأقل احتراما مثلا هو القول: التقى وزير الخارجية الأمريكي بنظيره الليبي (بعد ثورة عبد الجليل) .. وربما العبارة التي ستدغدغ خاصرتيك فتأبى الا أن تبتسم هي عبارة: التقى وزير الخارجية الأمريكي بنظيره القطري .. والسبب معروف .. ففي قطر يعتبر وزير الخارجية موظفا صغيرا جدا عند قائد قاعدة العيديد .. وحمد بن جاسم هو حاجب صغير عند وزير الخارجية الامريكي ولايرقى حتى لرتبة محاسب وساعي بريد .. ونظيره الحقيقي هو ناطور قاعدة العيديد .. ..

العبارة قد تتحول الى سبب من أسباب سلس البول من شدة الضحك ان قيل: اجتمع وزير الخارجية الأمريكي بنظيره السعودي .. لأن نظيره السعودي ولد وزيرا للخارجية وتسلم الوزراة قبل ابي الهول المصري وسيموت وزيرا للخارجية وهو لايزال وزيرا للخارجية منذ 1975 .. أي منذ 36 سنة فقط .. تغير الملوك ومات الملوك وماتت الامبراطوريات ودول عدم الانحياز وجبهة الصمود والتصدي والعراق والخميني والملك حسين والرئيس حافظ الأسد .. والرجل (سعود الفيصل) ثابت في منصبه مثل أبي الهول .. اي يجب ايجاد وزير خارجية أمريكي بقي في منصبه 36 سنة فقط .. ليكون نظيره زمنيا فقط .. بعبارة أخرى مر على وزارة الخارجية الامريكية منذ 1975 ثلاث دزينات كاملة من الوزراء حتى اليوم منذ هنري كيسنجر وحتى جون كيري مرورا بسيروس فانز وجيمس بيكر وشولتز وكرستوفر والكسندر هيغ ورايس وهيلاري وووو .. كلهم لايعادلون نظيرهم السعودي .. وهو لمن لايعرف وزير الخارجية السعودي الأخير .. فلا وزير بعده لأن المملكة قادمة على تفكك ونهاية لحكم الأسرة الحالية..

ولكن معاذ الخطيب تفوق على الجميع بأنه يعتبر نفسه نظيرا للرئيس بشار الأسد الذي دوّخ الأمريكيين والاسرائيليين مرتين مرة في العراق ومرة في لبنان وهاهو يستعد لانهاء الجولة الثالثة معهم .. ومع هذا دعاه معاذ الى مناظرته رغم أن معاذ ليس له سجل سياسي ليناظر به .. الخبر يذكره الاعلام العالمي كخبر طريف رغم الجدية التي تظهر في صياغة الخبر ..

معاذ يمكن أن يدعو أحمد الجلبي الى مناظرة أو مصطفى عبد الجليل ..أو أنطوان لحد .. أو عدنان العرعور..أو برهان غليون أو عبد الباسط سيدا .. أو العريفي .. يمكنه أن يدعو موزة الى مناظرة وحتى هيفاء وهبي .. أو أن يدعو (أبو متعب) أو سمير جعجع أو أحمد فتفت أو عبد الرزاق طلاس .. أو زهير الصديق أو أو .. أما ان يدعو الرئيس الأسد الى مناظرة فانها تشبه دعوة يوسف العظمة الى مناظرة مع تاج الدين الحسني جد معاذ .. أو دعوة المختل عقليا فيصل القاسم لمناظرة مع كارل ماركس حول رأس المال ..لأن فيصل المتثاقف سيعتقد أن رأس المال هو رأس من رؤوس الشبيحة قطفته جبهة النصرة وعلقته على مئذنة وسيقول له: ياراجووول لقد سبقت جبهة النصرة الى قطع رؤوس المال..

شعوري تجاه تصريحات معاذ وعروضه البليغة تذكرني بحادثة تراثية ذات مدلول قوي وتفرض علي الابتسام .. فقد روت الروايات القديمة أن الخليفة المأمون أنشد قصيدة من تأليفه أمام حاشيته وكان أبو نواس حاضرا وما ان انتهى المأمون من القاء قصيدته حتى نظر الى أبي نواس وسأله مبتهجا: هل أعجبتك قصيدتي البليغة ياأبا نواس ؟؟ فقال له الشاعر: ياأمير المؤمنين بصراحة لا أشم بها رائحة للبلاغة !! فغضب المأمون واكفهر وجهه وماكان منه الا أن مال على حاجبه وهمس له قائلا: بعد أن يغادر القوم المجلس اقتادوا أبا نواس الى الحظيرة واحبسوه في الاسطبل مع الخراف والحمير ..

وكان ماكان .. ومكث أبو نواس حبيسا في الاسطبل شهرا كاملا الى أن افرج عنه .. ولما عاد كعادته الى مجلس الخليفة عاد الخليفة الى القاء الشعر .. ولكنه قبل أن ينتهي هذه المرة نهض ابو نواس وهم بالخروج من المجلس فلحظه المأمون فاستوقفه وسأله: الى أين ياأبا نواس؟ فأجابه الشاعر: الى الاسطبل ياأمير المؤمنين !!

حالنا مع عروض وتصريحات معاذ الخطيب هي حال ابي نواس .. ففي عرض معاذ الأخير سنضطر الى أن نغادر الى الاسطبل لأن الاستماع للخراف والماعز والأنعام أفضل من الاستماع لمعاذ الخطيب وعروضه البليغة .. ولن نقول له ان فيها رائحة للبلاغة بل للفكاهة ..والدعابة .

المشكلة التي ستواجهنا هي أننا ان غادرنا الى الاسطبل فسنجد معاذا وهو ينتظرنا في الاسطبل .. فقد حضر منذ أيام جلسة من جلسات الاسطبل العربي بين الخراف والنعاج العربية .. سكان الاسطبل كانوا مجتمعين في الدوحة .. وحضرته خراف كثيرة ونعاج .. وفيه طلب معاذ الناتو أن يتمطى فوق سورية .. من الاسطبل يريد تحرير سورية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل باع "هشام عبود" فيلم الصور الخاص بأبو نضال الى الموساد ؟؟؟ وما حقيقة تورط أو علم المخابرات الجزائرية بذلك ؟؟

عائلة بوتفليقة وعقدة الشعور بالنقص

هشام عبود في رده على سعد بوعقبة : لا انزل الى مستواه والعدالة هي من تفصل بيننا .